تركيا والعراق- طريق التنمية، حزب العمال الكردستاني، ومستقبل العلاقات

المؤلف: كمال أوزتورك11.09.2025
تركيا والعراق- طريق التنمية، حزب العمال الكردستاني، ومستقبل العلاقات

في غضون الأشهر القليلة الماضية، بذلت تركيا جهودًا مضنية لإعادة صياغة العلاقات مع العراق، ويكمن وراء هذا المسعى حافزان رئيسيان:

1- التغير الهيكلي الذي طرأ على حزب العمال الكردستاني في العراق، حيث انتقل من تمركزه في المناطق الجبلية إلى التوسع في المدن، مما أدى إلى تصاعد وتيرة هجماته على الأراضي التركية.

2- الأهمية القصوى التي توليها تركيا لمشروع "طريق التنمية"، الذي يُنظر إليه على أنه سيغير موازين التجارة البحرية العالمية.

إجراءات إنذارية وشراكات تعاونية متضافرة

في الآونة الأخيرة، وجه الرئيس أردوغان، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، ورئيس جهاز الاستخبارات الوطني، تحذيرات قوية اللهجة إلى قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن علاقاتها المشبوهة مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

وفي سياق متصل، قام رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، إبراهيم كالين، بزيارة إلى السليمانية للتعبير عن استياء تركيا العميق من تعاون الاتحاد الوطني الكردستاني الوثيق مع حزب العمال الكردستاني. والأكثر من ذلك، فقد أبلغ الرئيس العراقي عبداللطيف الرشيد، خلال زيارته إلى بغداد، بأن إدارة الاتحاد الوطني الكردستاني قد منحت حزب العمال الكردستاني مساحة للمناورة، مما أسفر عن زيادة الهجمات التي تستهدف القواعد التركية من شمال العراق.

ونتيجة للعمليات العسكرية التركية التي أُطلق عليها اسم "مخلب، قفل" منذ فترة، والعمليات الاستخباراتية التي نفذتها المخابرات ضد قادة حزب العمال الكردستاني باستخدام الطائرات بدون طيار، تحول حزب العمال الكردستاني من التمركز في المناطق الوعرة إلى التوسع جنوبًا، نحو الموصل وكركوك ومدن أخرى، مما أدى بالتالي إلى زيادة عدد قواعده.

ولدرء هذا الخطر المتنامي، تسعى تركيا، بالتنسيق الوثيق مع الحكومة العراقية، إلى توسيع نطاق عملياتها العسكرية خلال أشهر الصيف الحارقة. وتهدف أنقرة إلى منع هجمات حزب العمال الكردستاني بشكل فعال من خلال إنشاء حزام أمني بعمق 30 كيلومترًا من الحدود التركية، وهو ما وصفه الرئيس أردوغان بأنه "إغلاق القفل" المحكم.

ثلاثة مسؤولين أتراك كبار يحملون ملفات حيوية حطوا رحالهم في بغداد

في الرابع عشر من آذار/ مارس، قام وزير الدفاع يشار غولر، ووزير الخارجية هاكان فيدان، ورئيس وكالة الاستخبارات الوطنية إبراهيم كالين بزيارة بالغة الأهمية إلى العاصمة العراقية بغداد. وقد حظيت هذه الزيارة باهتمام إقليمي واسع النطاق؛ حيث اصطحب المسؤولون الثلاثة ملفات شاملة ومفصلة. أحد هذه الملفات تناول قضية تواجد حزب العمال الكردستاني في العراق، بينما تناول الآخر مستقبل مشروع طريق التنمية الطموح. وفي الواقع، كانت هناك مسألة أخرى لم يتم ذكرها علنًا، ولكنها نوقشت سرًا على طاولة المفاوضات، وهي ما إذا كانت إدارة بغداد ستواصل التصرف باستقلالية عن النفوذ الإيراني المتزايد.

ويمثل مشروع طريق التنمية في البحر الأحمر شريانًا تجاريًا جديدًا وهامًا للغاية، تم تصميمه كبديل استراتيجي لقناة السويس المزدحمة. وسينطلق هذا الطريق من ميناء الفاو في البصرة، مرورًا ببغداد والموصل، ثم يعبر بوابة أوفاكوي الحدودية التركية ليصل في نهاية المطاف إلى أوروبا.

وقد سعى المسؤولون الأتراك الثلاثة إلى إقامة شراكة قوية مع حكومة بغداد بشأن تأمين هذا الطريق الحيوي؛ حيث كانت إحدى المسائل الرئيسية التي بحثوها هي كيفية التغلب على العقبات المحتملة التي قد تنشأ عن معارضة إيران والولايات المتحدة لطريق التنمية.

ما الأسباب الكامنة وراء معارضة إيران والولايات المتحدة لمشروع طريق التنمية؟

تدعم الولايات المتحدة بقوة المسار التجاري الجديد المعروف باسم "الممر الهندي"، والذي يهدف إلى تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول مدى جدوى هذا المشروع وتكلفته المنخفضة، والذي يُطرح كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، فإن الولايات المتحدة والهند تبديان حماسًا بالغًا لهذا المشروع.

ويتميز مشروع طريق التنمية، الذي يضم تركيا والإمارات والعراق، بكونه أقصر وأقل تكلفة وأسرع من الممر الهندي المنافس. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في تأمين طريق السكك الحديدية الذي سيتم إنشاؤه داخل الأراضي العراقية. وطالما أن "حزب العمال الكردستاني" يمثل تهديدًا لهذا الطريق الحيوي، فمن غير المرجح أن يرى المشروع النور.

ولا ترحب الولايات المتحدة بهذا المشروع الطموح بسبب دعمها القوي للممر الهندي. من ناحية أخرى، لا تؤيد إيران المشروع الذي من شأنه أن يعزز الاستقلال الاقتصادي للعراق، ويجعل تركيا لاعبًا محوريًا في طريق التجارة البحرية العالمي. والأداة التي ستستخدمها كل من الولايات المتحدة وإيران لعرقلة المشروع هي حزب العمال الكردستاني الذي يزعزع الاستقرار. وفي هذا السياق، قدم المسؤولون الأتراك الثلاثة الذين زاروا العراق اقتراحات ملموسة إلى بغداد لإيجاد حلول لهذه المعضلة.

بداية حقبة جديدة من العلاقات التركية العراقية المثمرة

خلال المباحثات البناءة مع بغداد، تم اقتراح إعادة النظر في العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، وفتح صفحة جديدة لمشروع طريق التنمية الطموح. وفيما يلي بعض التوصيات المطروحة:

1- إعادة تقييم وضع وإدارة كركوك المتنوعة، التي تعد موطنًا للتركمان أيضًا.

2- طرد حزب العمال الكردستاني بشكل كامل من المدن والأراضي العراقية.

3- شن عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال العراق خلال فصل الصيف، بهدف جعل المنطقة آمنة تمامًا. وتحقيقًا لهذه الغاية، تعزيز التعاون الوثيق مع بغداد.

4- تأمين طريق السكة الحديدية المزمع إنشاؤه من البصرة إلى الحدود التركية.

ولا شك أن إدارة بغداد تبدي حماسًا كبيرًا لمشروع طريق التنمية، لكنها بحاجة إلى معالجة مشكلتين جوهريتين: يجب أن تتوصل إلى اتفاق مع الإدارتين الأمريكية والإيرانية، اللتين لهما قواعد عسكرية هامة في البلاد، بشأن هذه القضية؛ لأنه، على الرغم من عدم إعلان ذلك صراحة، يعارض كلا البلدين مشروع طريق التنمية، بالإضافة إلى ضرورة التحيد الكامل لحزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.

وتترقب تركيا الآن الخطوات الملموسة التي ستتخذها إدارة بغداد. ومع ذلك، فإن تركيا عازمة على تنفيذ عملية عسكرية لإنشاء حزام أمني بعمق 30 كيلومترًا على الحدود العراقية خلال أشهر الصيف.

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة